الأربعاء، 28 ديسمبر 2011

أصيب المصريون مؤخراً بحالة اشمئزاز كبيرة بسبب التحول المقزز في موقف الإعلام المصري الرسمي وشبه الرسمي من ثورة الشباب والرئيس السابق حسني مبارك. كان مبارك حتى أيام قليلة مضت رمزاً للشرعية والمباديء والشرف والنزاهة والصدق والشفافية والحرية والديمقراطية والسلام بالنسبة للإعلام المصري. لم يكن يجرؤ إعلامي على عرض وجهة نظر مغايرة. ولكن فجأة وما أن سقط مبارك حتى فوجئنا بأن نفس الإعلاميين التي لم يكتفون بعرض وجهة نظر النظام، وإنما كرسوا أنفسهم لتملق الرئيس السابق وأسرته ينقلبون على الرجل في واحدة من أكبر فضائح الإعلام المصري عبر تاريخه.

أمثلة الإنقلاب الإعلامي هذا كثيرة. كان الفساد أهم ما ركز عليه الإعلاميون باعتباره حديث الساعة في مصر. ظهرت تغطية الإعلام الرسمي لقضية فجة ومستفزة، كما لو كان الفساد أمرأ لم يكن معروفاً عن نظام مبارك. من أمثلة التغطية الإعلامية الرسمية أن إحدى الصحف الرسمية الصفراء خرجت في اليوم التالي لتنحي الرئيس مبارك لتتحدث في مقال يعبر عن رأي هيئة تحريرها عن دهشتها من مستوى الفساد الذي بلغه الرئيس السابق وكيف أن ثروته تضخمت حتى بلغت نحو سبعين مليار دولار. وعبر المقال عن دهشة كاتبه من قدرة الرئيس الفائقة على نهب أموال المصريين ووقدرته الشديدة على التكت على فساده.

صحيفة ثانية تحدثت عن حواديت الفساد الذي عرفته مصر في الثلاثين عاماً التي قاد فيها مبارك مصر، وكيف استفاد عدد من رجال الأعمال من قربهم من القصر الرئاسي في تحقيق مكاسب خيالية عن طريق شراء الأراضي بأسعار بخسة وبيعها بأسعار بلغت عشرات أضعاف أسعار الشراء. وتحدثت الصحيفة عن بيع مصر وكنوزها لفئة قليلة من المفسدين، وعن ألاف قضايا الفساد التي ترتبط بعدد من الوزراء والمسئولين والمقربين من الرئيس مبارك، وعن كيفية استفادة البعض من علاقاتهم الشخصية بنجلي الرئيس السابق وبكبار رجال الدولة في تحقيق المكاسب غير المشروعة

صحيفة ثالثة خرجت تؤكد على أن لا عودة لما قبل الخامس والعشرين من يناير وتهلل وتطبل لمكاسب ثورة الشباب الأبطال الذي أعادوا الأمور إلى نصابها في مصر بعد أن طال اليأس بالمصريين بسبب نظام مبارك القمعي. وأشادت الصحيفة بالمطالب المشروعة للشباب وبثورتهم السلمية البيضاء. وكغيرها احتفلت الصحيفة بالكشف عن قضايا الفساد التي تورط فيها رموز النظام السابق.

لم يقتصر الانقلاب الإعلامي على الصحف الرسمية فقط، وإنما امتد ليشمل الإذاعة والتلفزيون والفضائيات التي تظهر على شاشاتها إعلاميون طالما نافقوا وتملقوا نظام مبارك. أحد هؤلاء المنافقين كان حتى يوم رحيل مبارك يؤكد على أن مبارك هو الرئيس الشرعي، والمدافع عن الحريات، والذي لم يقصف في عهده قلم واحد، والقادر على تحقيق المعجزات. ولكن ما أن رحل الرئيس حتى كان الإعلامي يكرس وقت برنامجه لكيل الاتهامات للرئيس وأسرته ووزرائه وحاشيته. بل بلغ الأمر بالإعلامي محاولة الضغط على ضيوفه لانتزاع أقوال تؤيد موقفه المفاجيء المعارض لمبارك. وأما أغرب ما فعل الإعلامي فقد كان استضافته لعدد من رجال الأعمال الذين سبق اتهامهم بالفساد في عهد مبارك بغرض عرض مواقفهم من نظام مبارك الفاسد.

قليلون هم من تمسكوا بواقفهم من الرئيس السابق ولعلي أذكر منهم نقيب الصحفيين مكرم محمد أحمد. وعلى الرغم من عدم اتفاقي مع النقيب في موقفه من النظام إلا أن ثبات الرجل على موقفه من مبارك بعد رحيله يستحق الاخترام والتقدير. فالثبات على المبادئ يعد من أهم الصفات التي يتوجب توافرها في الإعلامي لأن هذا يمنح المتلقي ثقة كبيرة في مضمون الرسالة الإعلامية. لو ليت كل الإعلاميين الذين أيدوا مبارك طويلاً صدقاً أو كذباً ثبتوا على مواقفهم منه، ولو أنهم فعلوا لاكتسبوا الاحترام حتى وإن كانوا يسيرون عكس التيار.

ترى ماذا لو عاد مبارك اليوم لقيادة مصر؟ كيف سيسلك الإعلاميون المنافقون؟ أزعم أن ريما ستعود لعادتها القديمة. سيعود الإعلاميون المتلونون لتأييد مبارك الرئيس الشرعي لمصر. سيتم طي صفحة الفساد وستفتح من جديد صفحة إنجازات مبارك صاحب الطلعة الجوية الأولى. سيؤكد الإعلاميون على أنهم تعرضوا لضغوط كبيرة لنشر قضايا سرقة ونهب المال العام. سيهلل ويطبل الإعلاميون للنظام ورموزه وسياساته. سيتم لعن الثورة والقائمين بها. ستعود قصة المؤامرة التي تستهدف النيل من مصر واستقرارها لتطل من جديد.
.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق